التخرج والعمل


ظهرت نتيجة الليسانس مع عيد الثورة 1965, ونجحت بجيد مرتفع , وتوالت التهاني بالبرقيات والحضور من الأقارب والأصدقاء , ولأول مرة أشعر بفرحة كبرى لايعادلها الا فرحتي باستلام العمل بعد ذلك .
وصلتني تقديرات المواد في رسالة من الأستاذ نوحي مسجل الكلية .
وقرأت بجريدة الأهرام عن مسابقة للتعيين بوزارة التربية والتعليم فسافرت على التو الى القاهرة ودفعت الرسوم
المطلوبة وملأت الاستمارات وقدمتها بمبنى الوزارة وعدت الى البلد ووجدت عبد المنعم بن خالتي قد نجح في الثانوية العامة وطلب مني أن أذهب معه ليقدم بمكتب التنسيق بالاسكندرية واتفقنا على ميعاد السفر وقدمنا له الأوراق وسافرت معه الى القاهرة للتقديم للمعاهد العليا ,ومكثنا هناك يومين عند خالي يحي سالم وابنه يسري وزرنا تنت روحية نوحي وزرنا قريب لعبد المنعم بالدقي , وتأخر موعد اعلان نتيجة مسابقة التعيين فقررت السفر للاطمئنان بنفسي في القاهرة . وكان الامتحان تحريريا ومقابلة شخصية أمام لجنة من : الشاعر محمود حسن اسماعيل , والأستاذ علي الجمبلاطي والأستاذ ابراهيم السيد مصطفي , ونجحت وقمت بجولة في االقاهرة ورحلة نيلية مع أصدقائي السعيد عبية وعزت سالم وافترقنا ودموع الوداع تترقرق في عيوننا , فما أقسى لحظات الفراق على الأصدقاء ننتقل من عالم الأحلام والسعادة في الجامعة والذكريات الحلوة الى معترك الحياة والعمل .
وتعاهدنا على مداومة المراسلة على الأقل بالخطابات أو التليفونات . وبعد رجوعي علمت بأنني قد رشحت للتعيين في محافظة ( قنا ) بالصعيد . حيث كان الأوائل يرشحون من أسوان فصاعدا الى الشمال , وكانت مفاجأة لم نتوقعها , وذهب والدي الى القاهرة لعمل محاولات لتغيير مكان التعيين دون جدوى .
وكانت آخر المحاولات الوصول الى مكتب الوزير لكن القرار الجمهوري كان قد صدر بتاريخ 4\10\1965 ومر عليه عشرون يوما دون أن أتسلم العمل فوصلني انذار بضرورة الحضور لمديرية التعليم بقنا .
وأصر والدي على السفر معي الى محافظة قنا , وكان سفرا شاقا استغرق يوما كاملا ولكنني كنت سعيدا باستلام العمل فنسيت متاعب الطريق , وتوزعت علي مدرسة ( أبو تشت الاعداية ) المشتركة , وذلك كما طلبت لأنها كانت أقرب مدرسة بالمركز والمحافظة للوجه البحري فهي الفاصل بين قنا وسوهاج .
مبنى المدرسة كان حديثا يتوسط المدينة في الشارع العمومي للبلدة , ووصلت مع نقل أحد المدرسين فسكنت مكانه في أحد الشقق بالمساكن الشعبية الاقتصادية الحكومية المخصصة لسكن المدرسين المغتربين .
وودعت والدي في اليوم الرابع مع عدد كبير من الزملاء المدرسين معي بالمدرسة بعد أن اطمأن على استقراري وتوصيته علي ناظر المدرسة الأستاذ ميخائيل جرجس وكان من القاهرة .
ومع أني كنت أشعر احيانا بضيق من تصرف والدي الا أن الجميع من زملائي أعجبوا بشخصيته ووصفوه بأنه انسان متعلم ورجل مجرب وحكيم وبار بأولاده .وكنت أعتز بذلك .
نشطت في عملي ووجدت مجموعة متجانسة من زملائي المعلمين بالمدرسة وكنت قد سكنت مع مدرس رياضيات ما لبث أن نقل بعد أسبوع من بدء الدراسة فأصبحت الشقة باسمي , ودعينا الى حفل بمدينة ( قصير بخانس )وكان معنا ناظر وسهرنا هناك ورحب بنا عمدة البلدة , وطلب مني أحد زملائي مدرسي اللغة العربية السكن معي بالشقة وهو الأستاذ ( رحاب )( من سوهاج ثم انضم الينا امام مسجد المركز الواقع بين المدرسة والسكن وتنظمت أحوال ثلاثتنا في السكن .
زرت نجع حمادي واشتريت كثيرا من لوازمي , وفي منتصف نوفمبر علمت بنقلي الى قنا , فقررت عدم الاستلام , وذهبت وقابلت مدير مديرية قنا للتربية والتعليم وألغيت النقل حيث كان الكثير من المعلمين بقوص أو أرمنت يرغبون فيه لأنه يقربهم من القاهرة قليلا وهو بالمحافظة الأم التي يتوفر فيها حياة أفضل .
احتفلنا بليلة الاسراء والمعراج بالمسجد , وألقيت كلمة دينية أثنى الجميع عليها حتى أن شيخ المسجد الذي كان يسكن معي قال : أنت تنافسني في عملي . وضحكنا , وبعدها أقمنا حفلا بالمدرسة لعيد النصر ,وسافرت في اجازة نصف العام ولم أشعر بتعب هذه الرحلة حيث كنت بالدرجة الأولى المكيفة , وتابعت النظر من نافذة القطار الى معالم مدن الصعيد التي مررت بها .
وكانت رحلة سعيدة عرفتني بعجائب البلاد وملابس أهلها وخصوصا ما كانت ترتديه النساء , وهي تجرجر أذيالها وعرفت أن اسمها الحبرة ) وكن يبدون كهياكل سوداء متحركة في الطريق) ورأيت الابل هي العون للفلاحين في الزراعة .
وسافرت مرة ثانية مع بعض الزملاء بالقطار السريع وتناولنا الغذاء بالقطار في عربة الأكل , وألح أحد زملائي كان يعمل بشركة السكر بنجع حمادي بدفع الحساب ووصلت القاهرة مساءا فنمت عند يسري بن خالي يحي سالم ثم أكملت السفر في الصباح الى البلد ووصلت مرهقا فلم أغادر البيت حتى استرددت عافيتي .
ودعيت الى حفل عيد الخريجين بكليتي دار العلوم , وكنت أنتظر ذلك اليوم الذي تحضر فيه عبلة بنت الأستاذ نوحي التي وعدتني بحضور حفل تخرجي , وفعلا جاءت وسلمت علي , وملأ المدعوون والمدعوات المدرج الكبيروارتديت الروب الجامعي وجلست في الصف الثاني مع زملائي الخريجين الى أن جاء دورنا في استلام الشهادات وسلمنا على رئيس الجامعة وعميد الكلية على المنصة المرتفعة وكان يسلمها لنا السيد مسجل الكلية الأستاذ نوحي ونوقع عنده وشعرت بسعادة غامرة
وقد أخذنا شهادات مؤقتة الى يتم توقيع الرئيس الأعلى للجامعة عليها .وكنت أقضي أوقات فراغي في أبو تشت بين قراءة القرآن الكريم والصلاة والاطلاع وقراءة الصحف وزيارة بعض الأصدقاء من العاملين في المركز , وزارني والدي في نهاية العام 1966 وأخذ معه من خيرات الصعيد ( العدس والبلح الصعيدى الجاف والعسل الأسود .) وبعد سفره بفترة جاءني اخطار من المركز بخصوص الخدمة العسكرية أنا وزميلي بالمدرسة , وكان ترحيلنا في نهاية ديسمبر 1966 .
جلست أنا وزميلي محمد رحاب نتفق على موضوع الشقة واحتد النقاش بيننا قليلا بسبب رغبته في تغيير عقد الايجار باسمه , لكنني قررت أن تبقى باسمي لحين عودتي حتى وان كان يدفع نصف الايجار .
كانت بعض تصرفاته الصعيدية لاتعجبني ورغم الجميل الذي قدمته له , فقد نسي أنني قبلت أن يسكن معي بعد أن رفض ذلك زملاء قدامى من الصعيد في شقق أخرى , وكنت أقدم له خدمات كثيرة بالسكن , وكنا نلاقي أزمات كثيرة من اختفاء السلع التموينية كالصابون والدقيق والسكر , وارتفعت الأسعار ارتفاعا شديدا ولم يستطع الناس أن يفعلوا شيئا أمام هذه الزيادات .
خلفت أبو تشت ورائي بين حب الطلبة الذي كنت أعاملهم كأخ أكبر يحل مشاكلهم الشخصية أحيانا , فضلا عن الشرح المبسط المخلص والعدل بينهم في التعامل في الفصول فأقبلوا على دروسي وأحبوني , وكذلك كان لي مجموعة كبيرة من الأصدقاء بالمدرسة وضباط المركز وموظفي المدينة من الشهر العقاري وبنك التسليف ومجلس المدينة والزراعة وعددا آخر من أهالي البلد . وقبل السفر شغلت قليلا بسبب تحري قام به رجال المباحث عني دون أن أعرف السبب .
وأخذت معي هدية من العسل الأسود ( صفيحة كبيرة ) لعمي الشيخ كامل كيلاني حيث طلبت مني سهير بنته ذلك ومكثت عندهم أنا وحلمي أخي ليلة كاملة .قبل أن أتوجه الى معسكر الاستقبال لبدء اجراءات تجنيدى

تعليقات

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخى الفاضل لقد شرفت بزيارتكم مدونتى وسعدت بدعوتكم لى أن أتطلع على شريط مقابله الشيخ ديدات كاملا وأن كنت قد أتطلعت عليه ولكنى بدءت بهذا المقال وقد أبحرت بنا فى رحلة شيقة منذ تخرجكم ألى أستلامكم العمل وعايشت معكم الزمن الجميل ألى أن توقفت عند مرحلة التجنيد وكم تمنيت أن أكملت القصة وخصوصا ذكرياتكم فى حرب يونيو وما تلاها
تقبل مرورى وأحترامى
أخيكم فى الله
محمود مشالى
شكرا أخي محمود مشالي .
فصل واحد من مرحلة التجنيد , بالمدونة تحت موضوع : ذكرياتي مع 5 يونيو
أرجو أن تطلع عليه وأقرأ تعليقك ان شاء الله . ولي اضافات أخرى ستتوالى ان شاء الله

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأوامر الإلهية في الآيات القرآنية

تصريف الأفعال في اللغة الفارسية

الكلام ، والقول والحديث ... ( فروق لغوية )