لماذا اختفت الرحمة بيننا .؟!


سؤال يحيرني كثيرا .!!قست القلوب , وتغلب الشر , واختفت الرحمة , وقل الخير .!! بين البشر في هذه الأيام .لم يعد أحد يطيق أحدا , لا بشرا ولا حجرا , لاحيوانا ولا نباتا !أراني أسمع صراخا يصدر في حديثنا مع بعضنا البعض , الناس أصحبت أغراب عن بعضها , حتى أقرب الأقارب , ـــ الا من رحم ربي ـــ الابن في أقل الظروف يهجر أباه وأمه ان لم يعتدي عليهما , لم تعد الأفكار واحدة , كل يفكر على ليلاه وليلاه فقط هو الأنا , انتشرت ظواهر غريبة عن مجتمعنا الاسلامي والشرقي , وأصبحنا كالكلاب المسعورة ننهش في لحم بعضنا البعض .ترى الشاب الوسيم العاطل يمشي في الطريق ويركل الحجر بعنف وقسوة وهو يتخيله كرة قدم صغيرة ,فيصيب بقذيفته نافذة قطار مار فيتهشم الزجاج على من خلفه , ولا يستطيع أن يفعل شيئا , والشاب يضحك وكأنه أصاب هدفا في مرمى خصمه , وربما يصفق لنفسه .تألمت الخضرة والأشجار في الحدائق العامة القليلة التي نجت من هجمات المسئولين عليها بالقطع والأقذار التي جعلت الناشدين للتنزه يعزفون عنها .وترى الرجل يحمل دابته فوق ما تطيق , ومع ذلك يروح يهوي على ظهرها بالسياط ضربا بلا شفقة !ونسي تماما أن امرأة دخلت النار في هرة حبستها , فلا هي أطعمتها , ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض , ولم يسمع أن رجلا دخل الجنة لأنه وجد كلبا لاهثا من العطش فنزل البئر الذي شرب منه وسقاه فغفر الله له .لم تعد الرحمة بين الأم ووليدها , فتتخفى في الظلام لتضعه أمام مسجد في الفجر , أو في أكوام القمامةتهربا من تحملهل مسئولية ولادته . اختفت البسمة من وجوه الآباء وهم يعودون محملين باكدار الحياة الى بيوتهم فيهرب أولادهم من طريقهم حتى لاينالوا الأذى قولا أو فعلا من آبائهم .جلست أفكر في حالنا : هل كل هذه القسوة والتصارع على الحياة سببه الأزمة العالمية المالية والخوف من المستقبل الأسود الذي ينتظر الناس .؟فقلت : وأين رحمة الله بخلقه .!! وأين تكفله برزق مخلوقاته !! وأين رؤيتنا للطير تغدو خماصا وتروح بطانا !! وأين رزقه للكافر به الذي لم يعبده .؟!!فقلت لنفسي : أبدا ليست المشكلة أقتصادية أو مالية .؟ أنها أزمة روحية ونفسية تكاد تقتل الناس من ضراوتها . فأسقطوا عنفهم وقساوتهم على غيرهم حتى ولو كانوا قرة أعينهم أو فلذة أكبادهم .وقابل ذلك جحود من الصغير للكبير , فكم من ابن حجر على أبيه بحكم قضائي جائر ليتحكم فيه وفي ثروته , وكم من بنت اتجهت للحرام مع أن أمها من العابدات , بكل بجاحة وعدم حياء , وكم زوجة لم ترحم ضعف زوجها وقطعته اربا وأخفت أشلاءه في أكياس البلاستيك . وكم زوج عذب زوجته ومثل بجثتها لمجرد شكوك لا محل لها من اليقين , وكم جار قطع صلته بجيرانه ولم ينجدهم حين استغاثوا به ,ارهقت كواهلنا بالقساوة , واشتكت الرحمة الناس الى الله سبحانه وتعالى .ألم نسمع قول ربنا الكريم الرحيم :( ورحمتي وسعت كل شيء ) ونحن ضقنا بكل شيء , ألم يسمع ما قاله رسولنا صلى الله عليه وسلم : ( ان الله قسم الرحمة مائة قسم , فاحتفظ عنده بتسع وتسعين جزءا , وأنزل جزءا بين خلقه , وبه ترفع الدابة قدمها حتى لاتصيب ولدها .) ألم يأخذ العظة من الدابة والحيوان , ألم يعرف ما أجاب به محمد صلى الله عليه وسلم على الأعرابي الأقرع بن حابس عندما رأى النبي يقبل الحسن والحسين وقال الأقرع : ان لي عشرة من الأولد ما قبلت أحدا منهم قط .!! فأجاب المبعوث رحمة للعالمين : ومالي اذا كان الله قد نزع الرحمة من قلبك !! من لا يرحم لايرحم .!!)الله رحيم بعباده : فلماذا لانتخلق بخلق الرحيم .؟ التاجر لا يرحم المشتري , وصاحب العمل لايرحم من يعمل لديه , والكل لايرحم الكل ......روي أنه في يوم القيامة جيء برجل بقيت له حسنة واحدة ليدخل الجنة , وقيل له : اذهب فابحث عمن يعطيها لك لتدخل الجنة, فأخذ يتوجه الى ولده ويرجوه أن يعطيه حسنة من حسناته ليدخل بها الجنة , فيرفض الابن ويقول اذهب الى ربك , وظل يتنقل بين أقاربه وأهله وأصحابه فلا يجود عليه أحد بها ,ولما تعب جلس في المحشر بجوار رجل ينتظر حسابه , ورآه الرجل مهموما فلما سأله عما به : قال له : بقيت لي حسنة واحدة لأدخل الجنة ولم يعطها لى ولدي ولا أحد من أهلي . فقال له الرجل : لقد نظرت الى أعمالي فلم أجد فيها الا حسنة واحدة , وأنا من أهل النار , فخذ هذه الحسنة لك !!فلما جاء ربه وسأله ــ وهو أعلم ــ من جاد عليك بهذه الحسنة .؟ قال العبد : فلان هناك ! فقال المولى جل وعلا : أيكون عبدي أرحم بك من ولدك ومني !! اذهب فخذ بيد أخيك وأدخلا الجنة .فكرت في أسباب نقص الرحمة من القلوب بيننا , على كل من حولنا , حتى على أنفسنا قسونا فأصابنا الاكتئاب وأنواع من الأمراض النفسية المستعصية , وكثرت حالات الانتحار , والانطوائية .قسونا على انفسنا فأفقدنا عقولنا ما ميزها الله به من النور والتكريم , فراح الناس يدمنون ألوانا من المعاصي والسموم . بلا رحمة لأنفسهم . فأهانوا ما كرمه الله .ومن يهن يسهل الهوان عليه ** ما لجرح بميت ايلام فلنعد الى تذكر رحمات الله , فنرحم أنفسنا ونرحم من نتعامل معهم فالراحمون يرحمهم الله , ولو تراحم الناس ما كان بينهم جائع ولا عريان . ولعمت البهجة القلوب , ولسهل على الناس العبادة والعمل , ولأحسنوا الظن بالله الرحيم , ولأقبلوا عليه بالتوبة والرجوع اليه فيما يعانون فملأ قلوبهم بالرحمة ,من رحمته التي وسعت كل شيء , ولأنفرجت أزمات الدنيا كلها ولأبصرت العيون نور الهداية , وسعتبكل طاقاتها الى التمسك بخلق الرحمة .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأوامر الإلهية في الآيات القرآنية

تصريف الأفعال في اللغة الفارسية

الكلام ، والقول والحديث ... ( فروق لغوية )