صقلية والفتح الإسلامي

 صقلية والفتح الإسلامي

موقعها وطبيعتها الجغرافية  :
( صقلية ) جزيرة على شكل مثلث متساوي الساقين , زاويته الحادة من غربي الجزيرة , وتقع شرق الأندلس , وتحاذيها من الغرب بلاد الشمال الأفريقي , وطبيعة هذه الجزيرة الجغرافية جبلية فيها قلاع وحصون قوية  وبها مدينة (بلرم) و ومن معالمها الإسلامية أنها تحتوي على نيف وثلاثمائة مسجدا إسلاميا


ويقول المؤرخ التاريخي ابن حوقل عن هذه الجزيرة : ( .. لم أرَ لهذه العدة من المساجد بمكان واحد , ولا بلد من البلدان الكبار التي تستولي على ضعف مساحتها شَبَهًا ولا سمعت ما يدعيه إلا ما يتذكره أهل قرطبة في بلادهم , ولم أقف على حقيقة ذلك من قرطبة .)


وقال عن أهلها : ( يوجد بصقلية كثيرا من أرباب الفتن , والفساق , ومدينة ( بالرم ) عامرة بالتجارة , وبها سوق عظيم , وكانت تلك المدينة موطنا لإبراهيم بن اسحق , وقد ولي القضاء في بالرم رجل عادل هو عثمان بن الخراز وكان ورعا تقيا مشهورا في قضائه العادل .


ويغلب على بلرم وجود المعلمين والكتاب فيها , وهم من طبقات مختلفة من الأعمار في فنون العلم المختلفة , أما بقية أهل صقلية فهم لصغر أحلامهم , وسوء عقولهم يقبلون على شهادة الزور , وفعل المنكر ) .
ولعل رأي ابن حوقل هذا ناشيء كراهية لأهل الجزيرة ؛ لأنهم لم يلاقوه بالتقدير اللائق به , فصار يصورهم بالمجتمع المنحل المتفكك الروابط الفاسد الخلق .


الحياة السياسية في صقلية في ذلك العهد :
كانت حياة الجزيرة  نتاج موقها الجغرافي المتوسط الذي لون تاريخها السياسي , وجعلها ملتقى القوى المتصارعة في البحر و حيث كانت تقع بين أوروبا وأفريقيا , فهي تعتبر تاريخيا جزءا من اليونان والفينيقيين والرومان والقوط والبيزنطيين والعرب , وقد أخذت من يد القوط إلى البزنطيين , ثم انتزعها منهم قادة بني الأغلب أو الأغالبة العرب بعد جهاد عنيف .


أما في عهد البيزنطيين فقد استولى عليها منهم القائد ( بلزاريوس ) قائد جستينيان دون مجهود منه ضد القوط الذين كانوا يحكمونها حتى سنة 535 ميلادية , ولقيه سكانها بترحاب , وقاومه أهل بلرم , ولكنها سقطت في يده في النهاية , وتنافس أمراؤها في إظهار الولاء للقائد ( بلزاريوس ) .


ولم تَطُلْ الفرصة بالصقليين تحت حكم البزنطيين حتى وجدوا أنفسهم فريسة الضرائب الباهظة التي يدفعونها لهم ولجيشهم متعدد الأخلاط , وإذا كانت في حالة سيئة في عهد القوط , فقد ازدادت سوءا في عهد البزنطيين , وشاركت الكنيسة في النفوذ على الجزيرة .


وفي أواخر القرن الرابع أصبحت الجزيرة حصنا يدفع العدوان , من الجناح الغربي للإمبراطوريةو وعاش الشعب الصقلي ضحية لا يدافع عن وطنه بل يقف متفرجا على ما يحدث فوق أرضه .


وإلى جانب الإيطاليين والإغريق ضمت الجزيرة أخلاطا من اليهود فكانت منفى للمذنبين منهم .


وفي أوائل القرن الثامن وقع خلاف بين البابا , وبين (ليو) البيزنطي , وشاء الأخير أن ينتقم من البابا فأرسل أسطولا استولى على ماله من أملاك في صقلية , ثم رفع عليها الضرائب , وضمت إلى القسطنطينية , وقد كان بُعْدُ الجزيرة سببا في قيام الاستقلال بها أحيانا حيث ظهرت غير محاولة من هذا القبيل كان آخرها دافعا لدخول المسلمين صقلية لما وصلت إليه حال البلاد من الانحطاط والفوضى .


الفتح الإسلامي لصقلية :


جاء نتيجة لحادثة من الحوادث المتكررة على مسرح السياسة هناك , عندما لجأ إلى بني الأغلب ثائر من صقلية هاربا من قسطنطين ؛ بطريق صقلية الديني ؛  وطلب منهم المعونة على البزنطيين , ولما كانت هناك هدنة بين الطرفين ( المسلمين والبزنطيين ) لم تنقض مدتها .


جمع ( زيادة الله ) حاكم الأغالبة أهل القيروان الأعيان وفقهاءها ومنهم ( أسد بن الفرات ) لاستشارتهم , وانقسم الجمع إلى فريقين ؛ أقلية لاترى الغزو , وفريق ينظر إلى الغزو نظرة دينية فيعدونه جهادا في سبيل الله لنشر الإسلام .


وتغلب رأي الأقلية وبقيت الهدنة قائمة , ولكن زيادة الله أمر بالغزو , وعهد بالقيادة إلى ( أسد بن الفرات ) سنة 212 هجرية , وكان الجيش مكونا من أشراف أفريقية من العرب وكان معظم الجند من الفرس ومنهم القائد ( أسد بن الفرات ) نفسه ومن البربر , كان الرجل الهارب من صقلية اسمه ( فيمي ) وعزله


أسد لعدم ثقته فيه , وفتح صقلية , وغنم غنائم كثيرة , ولكنه وقع في خطأ من جاءوا الجزيرة قبله حين حاول فتح (سرقوسة ) فقد وصل أسطول من القسطنطينية لنجدتها , وتفشى الوباء في جيش المسلمين , فنزلوا في مراكبهم بعد أن مات قائدهم من الوباء , ومنعهم الروم من دخول سرقوسة أو العودة فأحرقوا سفنهم , وفتحوا مدينة ( ميناو ) بعد حصار ثلاثة أيام , وتحصن المسلمون بذلك الحصن , وأمدهم زيادة الله بمدد ففتحوا بلرم سنة 216 هجرية ,


ثم استولى المسلمون على سائر الجزيرة بعد ذلك واتخذوا من بلرم قاعدة لهم يزحفون منها على النواحي الأخرى من صقلية .


لكن الجزيرة لم تعترف بالهزيمة لأن قسمها الشرقي المتاخم للقسطنطينية كان لا يزال ممنعا , فحصن المسلمون ( قصريانه) لتكون ملجأ لهم , وبعد عشرين عاما جاء دور الركن الثالث حيث سقطت ( سرقوسة ) , وبعدها توالت الفتن المحلية وأصبحت تشغل بال المسلمين , ووافق ذلك ظهور العبيديين وسقوط الأغالبة , فبقيت المنطقة الشرقية من صقلية غير معترفة للمسلمين بسلطان , وقنع منها الولاة المسلمون بالجزية .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأوامر الإلهية في الآيات القرآنية

تصريف الأفعال في اللغة الفارسية

الكلام ، والقول والحديث ... ( فروق لغوية )