9- دُعَاءٌ واستِجابَةٌ

عقب آيان فرضية صيام شهر رمضان الكريم ، تأتي آيى الدعاء والاستجابة ؛ والتى يقول الله تعالى فيها :
{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (} (البقرة: 186)
والدعاء من جهة اللغة يطلق على سؤال العبد من الله حاجته، ويطلق من جهة الشرع على معان عدة، منها العبادة، وعلى هذا فُسر قوله - تعالى -: {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم} أي: اعبدوني وأخلصوا لي العبادة دون من تعبدون من دوني؛ وعن ثابت، قال: قلت لأنس - رضي الله عنه -: يا أبا حمزة أبلغك أن الدعاء نصف العبادة؟ قال: لا، بل هو العبادة كلها. 
وفي الآية رمز إلى أن استجابة الدعاء من العباد مرتبط باستجابتهم للطاعة وامتثال الأوامر واجتناب النواهي 
فتأدية الواجب مقدمة على طلب الحق من الخالق سبحانه وتعالى 
فإذا كان الدعاء طلبا للحقوق المشروعة للإنسان ، رغبة في تحقيق ما يريد ، فنراه يتظاهر ويثور ويعتصم في الميادين والشوارع 
ويلح في إعلان مطالبه بوقفات احتجاجية سلمية أو غير سلمية أحيانا ، فيتأخر عليه المسئولون في تحقيق مطالبه فيرفع سقف تلك المطالب والحقوق التي يراها مشروعة له ؛ فإنه ينسى أو يتناسى ما ترشدنا إليه آية الدعاء والاستجابة في هذا الشهر الكريم من وجوب القيام بالمقابل في الالتزام بعمل الواجبات المفروضة عليه حتى يستجاب له ، فيأكل من حلال ويخلص في الأعمال ، ويتذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص : ( يا سعد أطب مطعنك تكن مستجاب الدعوة ) فإذا كان العبد مطعمه من حرام ومشربه  من حرام وغُذِّيَ بالحرام فأنى يستجاب له ؟!
وعندما يلتزم الناس بآداء واجباتهم يصلون بسهولة إلى حقوقهم من حكامهم ورؤسائهم بمطالبهم الجمعية والفردية السلمية التي لاتعطل العمل ولا عجلة الانتاج دون ثورات أو اعتصامات إذا ما تحققت رؤية العبادة الحقة ومراقبة الجميع للخالق سبحانه وتعالى
والأمر هنا  يختلف مع الله تعالى فهو جل وعلا يعطي المطيع والعاصي ، العامل والعاطل يرزقهم بغير حاجة منه إليهم فهم العبيد وهو المعبود المانح الرازق الموجد القريب منهم أكثر من قرب الوريد إلى النفس والروح 
وقد يمد الظالم فيعطيه أكثر مما يعطي المؤمن الطائع من متاع الدنيا ، حتى  إذا أخذه لم يفلته عندما يتكبر ويدعي أن ما وصل إليه من جهده وحظه وينكر فضل الله عليه 
ومع ذلك فإن الله تعالى يحب عبده اللحوح في دعائه واللجوء إليه فهذا الإلحاح في الحقيقة هو اعتراف من العبد بوحدانية الله وأنه 
الملجأ والمستعان ، وأن تحقيق كل رجاء للإنسان منه وحده سبحانه وتعالى ، قبل أن يكون بمقدار ما نبذله من جهد في عبادته التي
يستحقها ولن نَفِيَهُ حقه منها ، ومن هذا الجانب قد يهمل الواحد منا واجباته ويدعو ربه ، فتأتي الآية الكريمة التي معنا :
( إني قريب .......................... أجيب ) ففي قربه علم واطلاع على السرائر وحكمة في العطاء والاستجابة .
فإن رغب الناس في الرشد والفلاح والاستجابة الباقية بالخير الكثير الظاهر والباطن ؛ فعليهم أن يقدموا فعل الواجب قبل طلب الحق  بعبادتهم لمولاهم ، وادائهم لواجباتهم  نحو أنفسهم ونحو أوطانهم ونحو دينهم ورسولهم وربهم الكريم الذي هداهم للإيمان
وجعل رمضان بآياته نفحات  للمؤمنين الصائمين صياما حقيقيا بالقول والعمل .
اللهم اجعلنا ممن يستجاب لهم الدعاء في كل وقت يا رب العالمين .  

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأوامر الإلهية في الآيات القرآنية

تصريف الأفعال في اللغة الفارسية

الكلام ، والقول والحديث ... ( فروق لغوية )