كيف تُعِدُّ بحثًا ؟

البَحْثُ  ؛ وجمعه ( بُحُوٌث )
ولم تورد المعاجم جمع بحث ( أبحاث )
والباء والحاء والثاء أصل واحد ؛ يدل على إثارة الشيء ، وقال الخليل بن أحمد:
البحث طلبك الشيء في التراب ، وهو أن تسأل عنه وتستخبر عن الأمر حتى تستقصيه ، والعرب تقول :( كالباحث عن مُدْيَة ؛ مثل يضرب لمن يكون حتفه بيده) 
وهو عند أهل العلم :بذل الجهد في موضوع ما ، وجمع المسائل التي تتصل به ، وهو دراسة متخصصة في موضوع معين حسب مناهج وأصول معينة ، وله عدة أنواع أو أقسام منها :
البحوث الأدبية ، والعلمية ، والإنسانية 
ويندرج تحت كل قسم بعض الفروع ؛
 فالبحوث الأدبية مثلا :تشمل ؛ الأدب ، والتاريخ ، والجغرافيا ، وعلوم اللسانيات ، والفلسفة وغيرها
والبحوث العلمية تتضمن ؛ الرياضيات ، والكيمياء ، والطبيعة ، والفلك ، والجيولوجيا ، وعلم الحيوان ، والنبات وغيرها
والبحوث الإنسانية ؛ تشمل : العلوم التربوية ، والنفسية وغيرها
ولكل بحث أركان ثلاثة :
هي ؛ المضمون ، والمنهج ، والشكل
فالمضمون ؛ هو موضوع البحث ، ومحور الدراسة للباحث
والمنهج ؛ يعني أسلوب معالجة مادة البحث الدراسية 
والشكل ؛ هو طريقة تنظيم ، وتنسيق مادة البحث ، وإخراجها في جانب فني صحيح
ويشترط لمضمون البحث : أن يكون شيئا جديدا يتم كشفه ، أو شيئا مغلقا يتم شرحه ، أو شيئا متفرقا يتم جمعه ، أو شيئا ناقصا يتم إكماله ، أو شيئا مختلطا يتم ترتيبه
وينبغي أن يتصف الباحث بالأمانة العلمية في صحة نقل النصوص ، وتوثيقها بنسبتها إلى أصحابها ، وعرضها في موضوعية وتجرد
وأن يتحلى بالصبر والمثابرة للتغلب على مشكلات البحث وعقباته ، والتأني لتأسيس أحكام وتقديرات صحيحة
وأن يتصف بالإخلاص فلا يضن في سبيل بحثه بمال أو جهد أو تفكير 
وأن تكون لديه المرونة والأفق الواسع والقدرة على الإبداع والاستشارة
اختيار موضوع البحث : قد يكون الموضوع مفروضا على الباحث من أساتذته ، أو نابعا من اختيار الباحث ذاته ، من خلال قراءته وكثرة اطلاعه ودراساته المتخصصة وإعمال فكره في رؤية أهداف واضحة يقصدها
فالبحث المفروض ربما يكون مناسبا لناشئة الباحثين الذين يجدون صعوبة في اختيار موضوعات بحوثهم ، إذ إن اختيار البحث ليس شيئا هينا ، فالباحث يحتاج إلى ثقافة واسعة حتى يهتدي إلى موضوع طريف
والأفضل أن يساعد المشرفون من الأساتيذ هؤلاء الناشئة على الاهتداء إلى الموضوعات التي تتفق وميولهم من خلال توجيههم إلى القراءة وطرح الأفكار والخواطر التي يمكن استغلالها في العثور على موضوع البحث المناسب ، وعلى الباحث أن يبتعد عن الموضوعات التي يصعب العثور على مادتها العلمية ، أو الموضوعات التي يشتد حولها الخلاف ، أو المعقدة أو الغامضة ، وكذلك عن الموضوعات الواسعة جدا أو الضيقة جدا أو الخاملة التي لاتبدو ماتعة .
وعلى الباحث أن يختار لموضوع بحثه عنوانا جديدا مبتكرا ، لائقا بالموضوع ومطابقا لأفكاره وأن يبتعد عن العناوين الطويلة المسجوعة 
وقديما قالوا :( إن الكاتب من أجاد المطلع والمقطع )
إعداد مصادر البحث :
بعد اختيار الموضوع ينتقل من دائرة القراءة المحدودة إلى مجال القراءة الواسعة الشاملة عن موضوع بحثه حتى يُلِمَّ بكل الدراسات حول الموضوع ، والطريقة التي نهجها الباحثون قبله في معالجته والنتائج التي توصلوا إليها
ويتم ذلك بالرجوع إلى الموسوعات العلمية ودوائر المعارف المختلفة
وإلى قراءة البحوث والرسائل الجامعية في الموضوع ، والكتب والدوريات والدراسات المنشورة ، وعليه أن يلتقي بالمتخصصين وأساتذة الجامعات والمهتمين بميدان البحث والاستعانة بأمناء المكتبات لتسهيل عملية البحث
وأيضا لا يغفل الاطلاع على المخطوطات المتاحة حول موضوع بحثه
ويقسم العلماء هذه المصادر إلى قسمين ؛
مصادر أصلية: وهي أقدم ما كتب عن موضوع البحث من الوثائق والدراسات الأولى المنقولة بالرواية او المكتوبة بيد المؤلفين او تلاميذهم
ومصادر ثانوية : وهي ما تعتمد في مادتها العلمية أساسا على المصادر الأصلية وتعرضت لها بالتحقيق أو التحليل أو النقد أو اتخذتها مصادر لدراسات أخرى ، ويسميها بعض العلماء المراجع بدلا من المصادر
خطة البحث : بعد الاهتداء إلى مصادر البحث وتوفرها يبدأ الباحث في وضع خطة متكاملة لهيكل البحث يحدد فيها معالمه وآفاقه مبينا ؛ المنهج الذي سيسير عليه ، والتقسيم العلمي لموضوعات البحث الفرعية وأبوابه وفصوله ، ولا تكون نهائية لما سيطرأ عليها من تعديل أو تغيير نتيجة توجيهات المشرفين والأساتذة ونتيجة اتساع آفاق الباحث عن موضوع بحثة بحسب درجة اطلاعه وهضمه لموضوع البحث 
اختيار مادة البحث : بعد تحديد العناصر والخطوط الرئيسة لخطة البحث تأخد مشكلة اختيار مادة البحث وقتا وجهدا من الباحث حيث يستعرض المصادر والمادة العلمية المتوفرة لديه مع اختلافها مضمونا ومنهجا ونتائج 
فيقوم هو بفحص المقدمات والفهارس ومعرفة أهمية كل منها بالنسبة لبحثه
ويعد بطاقات للمصادر التي يراها مفيدة بمعلوماتها ومتصلة ببحثه يسجل فيها اسم المؤلف وعنوان المصدر ومعلومات النشر وفكرة مختصرة عن المعلومات المفيدة له ، كما يسجل المعلومات التي يحصل عليها من لقاءاته بالمتخصصين في ميدان البحث ، ويدون الأفكار واللمحات التي 
يقتنصها فكره أثناء قراءته وإعداده للبحث
ثم تأتي عملية الكتابة للبحث :
فتكون المسودة الأولى ، ثم مراجعة البحث ، وأخيرا تبييض وتنسيق الصورة النهائية المعدة للنشر والتوزيع
ففي مرحلة كتابة مسودة البحث وهي تعتمد على الخطة واختيار المادة يدون الأفكار واضعا نفسه موضع القاريء الذي يرغب في استطلاع جوانب الموضوع بسهولة ويسر فالباحث لا يكتب لنفسه بل لغيره
على أن يراعي في المسودة تأجيل كتابة مقدمة البحث حتى الانتهاء منه لنها سوف تتضمن أفكارا مستمدة من مضمون البحث ومنهجه
وأن الحجم والكم في البحث العلمي ليس ذا قيمة علمية بل المهم حقيقة هو اكتشاف الجديد والوصول إلى النتائج المرجوة من البحث
وأن يكون هناك توازن وتناسب شكلي ومنطقي بين أجزاء البحث وموضوعاته بقدر الإمكان
وأن يترك فراغات بين أسطر الكتابة مع وجود هوامش جانبية ليمكن الإصلاح والإضافة 
مرحلة مراجعة البحث : 
يراجع الباحث مسودة البحث لإخراجه في الشكل العلمي المطلوب ويستدرك الأخطاء ومواضع النقص أو الزيادة ، ويتأكد من أهمية كل ما احتوى عليه البحث ، وعلاقته الوثيقة به ، وعدم الغموض ، فيشرح النقاط التي يظنها غير واضحة ، كما يرتب أفكاره ويسلسلها وينظم العرض بصياغة جيدة واضحة المعاني ، ووضع العناوين الرئيسة والفرعية في أماكنها المناسبة
ويطمئن على سلامة الجمل والعبارات لغويا وإملائيا ونحويا
ثم يكتب مقدمة البحث وخاتمته ، ويسجل المصادر أو المراجع في النهاية
ما ينبغي أن تتضمنه المقدمة :
الإشارة إلى قيمة البحث وأهميته والأسباب التي أدت إلى الاهتمام به
وتحديد المنهج الذي سلكه الباحث في معالجته لموضوعات البحث
والإشارة إلى الدراسات والأعمال السابقة التي أسهمت في تطور موضوع البحث
والإضافات الجديدة والنتائج التي توصل إليها الباحث في بحثه
ما ينبغي أن تشمله الخاتمة :
التعرض لموضوعات البحث بصورة مختصرة وكأنها مقدمات تقود إلى نتائج
التركيز على أهمية النقاط الأساسية التي تثير تفكير واهتمامات القراء
العرض السريع لنتائج البحث
الآفاق الجديدة التي كشف عنها البحث وتحتاج إلى دراسات أخرى مكلمة
وعن مراجع البحث أو مصادره :
فيمكن تنظيمها حسب الترتيب الأبجدي لمؤلفيها ، أو الترتيب الزمني لنشرها ، أو تنظيمها حسب موضوعاتها ، أو نوعها ، أو طبيعتها 
المرحلة الثالثة : تبييض البحث؛
في نهاية العمل البحثي يكون التبييض الذي يهيأُ للطبع ؛ تنسيق الكتابة بعلامات الترقيم فعند تدوين نقطة مهمة أو فكرة جديدة تبدأ الكتابة من أول السطر ، مع ترك فراغ أكبر من الفراغات التي بين السطور مع مرعاة الهوامش المناسبة ن واستخدام الفواصل بين الجمل والفاصلة المنقوطة الموضحة لمعنى سابق 
وتسجيل التهميشات الضرورية أسفل كل صفحة متضمنة نسبة الأجزاء المقتبسة إلى أصحابها ، والإشارة إلى مصادر أخرى ينصح القاريء بالرجوع إليها ، وتوضيح بعض النقاط وشرحها ، ترجمة عَلَمٍ من الأعلام بصورة موجزة جدا ، أية إضافات يتعذر ذكرها في صلب البحث لمزيد الفائدة
============
المراجع : كتابة البحث العلمي للدكتور عبد الوهاب إبراهيم أبوسليمان
الناشر دار الشروق ـ جدة
كتاب البحث الأدبي : للدكتور شوقي ضيف 
محاضرات في البحث وفنونه للأستاذ عبدالحميد أبو الدهب 

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الأوامر الإلهية في الآيات القرآنية

تصريف الأفعال في اللغة الفارسية

الكلام ، والقول والحديث ... ( فروق لغوية )